عزلة

عزلة هذه التي أنا فيها، عزلة لم أدري من أين أتت استولت علي وحبستني في غرفة جدرانها برد سقفها ضياع أبوابها وحدة نوافذها انطواء أراضيها شرود حبستني وسط كلمات وحروف وسط جمل قيلت وحروف كتبت.
وسط آلام الدهر و ابتسامات العمر وسط كل حلو ومر وأنا لا أدري لما.
حبستني وأنا ربيع قدم إلى الحياة
حبستني وفي وجهها ابتسامة
سألتها: لما حبستني هنا،بين كل حلو ومر، لما وأنا زهرة لم تتفتح بعد لما هده القسوة على عصفورة لم تحلق بعد.
هنا انقطع صمتها ونادت بصوتها الذي تختبئ الوحوش عند سماعه قدرك أن تحبسي هنا ولدت لتحبسي هنا لما تريدين أن تعيشي في عالم تسوده الأوهام والأكاذيب عالم يشبه الأشباح ؟
قلت: وأين تريدينني أن أعيش؟
قالت: هنا في مملكتي في قصري هذا تستمتعين وأنت تدوسين على الشرود وتسعدين بتنشقك الضياع وتتفرجين الانطواء.
تعجبت لكلامها ،وقلت: هنا ضياع وهناك ضياع...
قاطعتني بتنهدها وقالت:هنا تعيشين في الأوهام وأنت تعلمين أنها أوهام أما هناك فأنت تتنشقين الهواء وتدوسين على الأعشاب تقطفين
الأزهار وتنظرين إلى المناظر الخلابة دون أن تدركي أنك لم تتنفسي الهواء بل تنفستي المرارة والضياع وأنك بدل الدوس على العشب كنت قد دست على الانطواء هنا الحقيقة و هناك الأكاذيب.
قلت: هذا هو العالم وليتني لم أقل لقد ثار جنونها وبدأت تصرخ قائلة:
وكيف لك أن تعرفي العالم وأن تدركي حقيقتته؟
قلت: وما حقيقته؟
قالت العالم شبح يتخبط لأنه فقد هيبته وصوته الصاخب. العالم شبح لم تعد الناس تخاف منه فاختار أن يؤنسهم أن ينسى تلك الهيبة التي كان يملكها يوما .كي لا يهجره الناس أو أن يتعاونوا على قتله. فنراه الآن يتخذ ألوانا غير ألوانه وأشكالا غير أشكاله فبعد أن كان لونه أسود وشكله غير مفهوم أصبح الآن لونه أبيض وشكله كالحمامة ولكن في الحقيقة أن السواد مازال والشكل الغير المفهوم لا يضل موجود أيضا.
فما إن يحل الظلام حتى يتخلى العالم عن بياضه ويترك الحمامة ويعود إلى السواد وشكله المعهود...........
هنا انتهى حلمي أجل على يد أمي اللطيفة انتهت عزلتي لأدرك أنه لم يكن سوى حلم مليء بالحقائق.