تاريخ استخدام المناطيد

الطيران حلم راود فكر الإنسان وخياله منذ القدم، وعلى الرغم من أن الفنان
العالمي ليوناردو دافنشي حاول دراسة إمكانية الطيران بآلات أثقل من الهواء
حوالي العام 1500 ميلادي، إلا أن ذلك لم يحدث إلا بعد أربعة قرون تقريباً.


وقبل ذلك في عام 875 قام العالم العربي عباس بن فرناس بالطيران بأجنحة
شراعية لمدة عشر دقائق ودفع حياته مقابل هذه التجربة التي فتحت الباب
واسعاً أمام تحقيق حلم الطيران، وفي 1783 قام الأخوان “مونقولفيي” و”جاك
شارل” بتمكين الإنسان من الارتفاع في الهواء بآلة أخفّ من الهواء. وتبعاً
لذلك توقفت البحوث الخاصة بالآلات الأثقل من الهواء وبعد دخول فكرة
الطيران من أوسع أبوابها عُرفت رياضة التحليق بالمناطيد الهوائية التي
تحمل الكثير من المتعة والفائدة والدهشة، وهي معروفة في الكثير من الدول
الأوروبية وأمريكا، وخصوصاً الدول التي تمتاز بسهول مميزة لأن هذه الرياضة
تحتاج إلى سهول واسعة لا إلى جبال أو تلال.

وتقوم فكرة طيران المنطاد على مبدأ علمي مفاده أن الهواء الساخن أخف من
الهواء البارد حيث يعلو فوقه، فيتم ملء الغلاف الداخلي للمنطاد بالهواء
الساخن، ومن ثم يصبح الهواء الساخن بداخل المنطاد أخف من الهواء المحيط به
من الخارج؛ فيتمكن بذلك من الارتفاع.

إلا أن استخدام الفرق بين كل من الهواء الساخن والبارد في رفع أحمال ثقيلة
إلى أعلى يتطلب كميات هائلة من الهواء الساخن، وإلى ذلك يعزى الحجم الضخم
الذي تتميز به المناطيد.

ولكن لا يكفي تسخين الهواء داخل المنطاد إلا للإقلاع والتحليق قليلا، أما
استمرار الارتفاع فيتطلب إعادة تسخين الهواء داخله، ولهذا يستمر وضع موقد
الغاز المشتعل أسفل الغلاف الداخلي للمنطاد.

وبدأت رياضة المناطيد الهوائية تنتشر في العالم حيث شهدت العديد من العواصم مؤخراً عروضاً مميزة للمناطيد الهوائية .

نجول على تاريخ استخدام المنطاد وشيوع هذه الرياضة في العالم حيث
تذكر المصادر التاريخية أن الفرنسي هنري جيفارد كان أول من نجح في تنفيذ
أول رحلة طيران بمنطاد، عام 1852 وكان المنطاد الذي استخدمه في رحلته
مزوداً بمحرك يزن 160 كيلوجراماً، أما البالون الذي استخدمه فكان عبارة عن
كيس بطول 44 متراً، وانطلق جيفارد بالمنطاد من باريس بمعدل سرعة 10
كيلومترات في الساعة، ولمسافة بلغت 30 كيلومتراً تقريباً.

وفي عام 1872 نجح المهندس الألماني بول هيانلين في أن يكون أول من يزود
المنطاد بمحرك احتراق داخلي، وبعد مرور حوالي عقد من الزمان نجح الفرنسيان
ألبرت وجاستون تيساندييه في تركيب محرك كهربائي بالمنطاد، وكان ذلك
بالتحديد في عام ،1883 ثم تم بناء أول منطاد من الصلب في ألمانيا عام 1897
بهيكل من صحائف الألمنيوم الرقيقة.

أما أشهر اسم في عالم المناطيد فكان الألماني فيرديناند كونت فون زيبلين،
الذي اخترع في عام 1900 أول منطاد له باسم “إل زد-1”، بلغ طوله 128 متراً،
وقطره 6.11 متر، وهيكله مصنوع من الألومنيوم يحتوي على 24 عارضة طولية و16
حلقة عرضية، وكان مزوداً بمحركين متطورين قدرة الواحد منهما 16 حصاناً،
ويحلق بسرعة 32 كيلومتراً في الساعة، وقد استخدمت المناطيد التي صنعها
زيبلين في أغراض عسكرية في الحرب العالمية الأولى، حتى إنها عرفت باسم
زيبلين. ونتيجة للتطور السريع الذي شهدته صناعة الطائرات في الثلاثينات
والأربعينات من القرن العشرين، إلى جانب الأعطال المتكررة للمناطيد
وتكاليفها الكبيرة، أصبحت المناطيد مهجورة عملياً منذ أواخر الثلاثينات.

ومع نهايات القرن العشرين، بدأ الاهتمام يعود تدريجياً إلى المنطاد، حيث
تم تصميم منطاد في بريطانيا أطلق عليه اسم “سكايكات”، وهو الذي يجمع ما
بين مزايا المنطاد والطائرة، وهذا المنطاد يستخدم غاز “الهليوم” كقوة
رافعة إلى جانب أن تصميم الجسم الخارجي يحاكي شكل الطائرة، وسرعته تبلغ
160 كيلومتراً في الساعة.

وتستخدم المناطيد اليوم لأغراض متنوعة فهناك مناطيد للرياضة والمتعة،
وأخرى تستخدم في بعض المجالات العلمية والعسكرية، وأخرى لنقل الركاب ونقل
البضائع بسعات كبيرة، وبعضها يستخدم في الرصد الجوي، كما يمكن استخدام
المناطيد لأغراض الدعاية والاتصالات والإعلانات، حيث يبقى المنطاد معلقاً
في الهواء على ارتفاع 3000 متر، ومحملاً بتجهيزات بث متطورة، ويمكن له
كذلك أن يكون محطة اتصالات سريعة التجهيز عند الطلب ورخيصة التكاليف جداً
لبث الإشارات اللاسلكية للهاتف المحمول، وحزم الاتصالات عريضة النطاق.

ويمكن أن يوفر المنطاد منصة عرض ضخمة وزهيدة التكلفة تثبت فوق الأحياء
والمدن، وذلك لعرض الأفلام والإعلانات الدعائية كما يمكن استثمار المناطيد
في الترويج السياحي.

ومن ابرز المشاركين في هذه الرياضة الجوية ايفان الذي دخل اسمه في موسوعة
جينيس، حيث جال العالم بمنطاده واستطاع التحليق حول العالم، وله تجربة
طويلة في هذه الرياضة الممتعة، كما عمل مدرباً في مخيمات الفضائيين الروس.

فيما تمكن رجل الأعمال الهندي الدكتور سنجاي من التحليق لأعلى إرتفاع جوي بالمنطاد يواكب ارتفاع الطائرات .

ويعتمد طيران المنطاد على حرق “غاز البروبان” وهو أخف من الغاز الطبيعي
وحين يتم حرقه داخل المنطاد يصبح وزنه أخف من وزن الهواء وبالتالي يبدأ
بالصعود وحين الهبوط نقوم بعملية عكسية من خلال تخفيف غاز البروبان من
البالون حيث يزداد وزنه ويهبط على الأرض.

وزمن الطيران بالمنطاد يعتمد على عدة أمور منها درجة الحرارة الخارجية
ودرجة حرارة المنطاد من الداخل والارتفاع المحتمل وكمية الحمولة في
المنطاد والوزن الكلي بالتوازي مع حجم المنطاد والأشخاص الذين سيطيرون في
المنطاد وعدد اسطوانات الغاز، وفي الحالة العادية التي تكون فيها درجة
الحرارة الخارجية 25 درجة مئوية تكون حرارة المنطاد 110 درجات وحمولته
بحدود 90 كيلوجراماً وباسطوانتي غاز وارتفاع 5000 قدم وحجم البالون 3000م2
يمكن أن نطير 45 دقيقة.

وعن كيفية الاقلاع والهبوط بالمنطاد فإنه ينبغي على الربان قبل الانطلاق
الرجوع إلى خبراء الأرصاد الجوية بشأن أحوال الطقس المتوقعة في مكان
الرحلة، واتجاهات الرياح، والاطمئنان على أن الأحوال الجوية شبه مثالية،
حيث الأمطار والعواصف تشكل أخطاراً جسيمة على المنطاد وركابه من جهة، كما
أنه من شأن الرياح العاصفة إتلافه من جهة أخرى